ياسر عبد الحسين  ياسر عبد الحسين

آخر المقالات

جاري التحميل ...

أحفاد سقراط: الكتاب الذي عالجني من الوباء

د. ياسر عبد الحسين



منقب الكتب أم الروح البسيطة الوقادة نحو المعرفة بحب وشغف، ام دليل المكتبات بشرقها وغربها، الذي دأب ان لا يعيش اللذة الخاصة بالعلم وحده وكأنه بنك الكتب والحب،وصيدلية الفلسفة،

 بين أتون الادب والفلسفة والتاريخ والسياسة، وكما أسمته لطفية الدليمي، وكما نحب ان نسميه (الخال النبيل)، الذي قدم لنا باقة ورود عطره امتدت برشاقة الفلسفة عند (سؤال الحب)، وبين رفوف (في صحبة الكتب)، حيث يطلق صرخته (دعونا نتفلسف)، وهو يهم شغفا عند (غوايات القراءة)، رغم (مائدة كورونا)، لينتهي بنا نحن ( احفاد سقراط)، من دون ( كتبا ملعونة أم ممنوعة)، الكاتب (علي حسين ) .

وفي قلب الجزيرة الايبربية في مدريد مدينة الحب والجمال والأدب والثقافة، عند لوركا وعلى اثار غارثيلاسو دي لا فيغا، وبريشة لوبي دي فيغا، وروايات ميغيل دي ثربانتس، وفي المقهى الطرفي الذي كان يجلس فيه الشاعر عبد الوهاب البياتي، كان الشوق والحنين لمكتبتي في بغداد يتصاعد، وعيوني تترقب صفحات المكتبات واصدقائي الباحثين عن زادهم من الجديد والنادر على ارصفة شارع المتنبي، كاد الاوكسجين العقلي ان ينفذ.. بعد أكملت بضعة الكتب اليتيمة العربية في رفوفي بمدريد، لكن وكأن الناشر والمثقف (محمد هادي) يستشعر حاجتي لطوارئ الكتب، فيمدني كرما بسلسلة من الكتب الجميلة من إصدارات (دار الرافدين) الرائعة، التي اتناولها بشغف تتجاوز فرحة عثور الطفل على أمه بعد غياب لساعات.

وما أن حل الفايروس ضيفا ثقيلا على جسدي، حتى شعرت باني بت أكثر حاجة في ديار الغربة الى صديق حقيقي يؤنس غربتي وينسيني صرخات رئتي التي باتت تستغيث، ولم يعطي الأطباء لي سوى الحديث عن الراحة ومحاولة المشي، لكن جاء العلاج سريعا بكتاب الخال علي حسين (احفاد سقراط: قصة الغرام بالفلسفة من أرسطو الى ميرلو بونتي) الذي صدر عن دار الرافدين للطباعة والنشر في نيسان ٢٠٢١.

تظهر عراقية الخال بوضوح عندما يعلن بوضوح اعجابه بطاليس .عندما يقول أرسطو أن طاليس مؤسس نوع من الفلسفة يرى أن المبدأ الأول للأشياء هو الماء، ويقال إن هذه الفكرة استمدها طاليس من البابليين، إذ تحكي إحدى الأساطير البابلية أن كل شيء كان بحرًا، وقد وضع الإله مردوخ حصيرًا من القصب فوق سطح الماء فتراكم عليه الطين (ص ١٤)، بأسلوبه الجميل أعيش الدهشة الإنسانية معه على اعتاب الفلاسفة الكبار، وكأن منهجية علي حسين ان يقدم الفلسفة على طبق يسهل التهامه حتى لمن لا يملك حتى اسنان وفق مبدأ، مارك مانسون صاحب الكتاب الشهير (فن اللامبالاة) أن يحول الفيلسوف المثير للضجر، عند معظم القراء، إلى معلم يشير بوضوح إلى أهمية بناء مجتمع ديمقراطي وينشد السلام.

رغم ايماني الشديد بالمدرسة الواقعية، لكني كنت اقرا تفاصيل جميلة عن حياة عمانوئيل كانت، وخصوصا عشقه للرياضة واهتمامه بصحته، وكأنها رسالة بان استمر في عالم الرياضة الذي اواضب عليه وخصوصا المشي.

ثم يرسل الخال في كتابه رسالة أخرى ليقول لي ان هذا الكتاب شفاء للروح، باعتماده على الفلسفة التي سميت على اسم الفيلسوف الذي يقول: الفلسفة التي لا تشفي الآلام البشرية هي محض هباء، فالفلسفة التي لاُ تبرئ الروح من معاناتها، لا تختلف عن طب لا يداوي مريضًا ولا يشفي عليلا) (ص ١٦)، أيبقور الفيلسوف العظيم والذي قد قال فيه (ستيف جوبز) إّنه مستعد للتنازل عن جميع خبراته التكنولوجية مقابل قضاء أمسية مع أبيقور، كيف لا وهذه المدرسة تركز على الرضا النفسي والسلام الداخلي البشري.

وعن الرجل الذي أدخل الفلسفة الى غرفة النوم، ورؤية سقراط الذي يقول كان يقول: (لا أعرف سوى شيئًا واحدًا وهو أني لا أعرف شيئا) عبر منهج البحث الدائم، سقراط القبيح كما جاء وصفه (أقبح إنسان في أثينا، عيناه جاحظتان كعيني ضفدع، وشفتاه غليظتان، وأنفه أفطس، وكانوا يسمونه الضفدع). (ص ٢٦)، يقدم لنا كل هذا الجمال، الذي وقف أمامه الكندي العظيم ليجعله بمثابة الامام !، بل وصل الأمر لنيتشه بالقول: أن الفلسفة السقراطية تناصب العداء كل معرفة لا تقترن بالإنسان، وصولا الى المشهد الأخير من حياة سقراط، نجده يجلس بين تلامذته ويقول لهم: (لقد حُكم علي بالإعدام، وهذا لا يحزنني، بل يسعدني أنني انتصرت، ومع أن الناس يعّدون الموت أكبر الشرور وأقساها، إّلا أنني أخالفهم في ذلك وأفّضل الموتُ حرًا، على أن أعيش عبدًا) (ص ٣٣)

ثم يتحدث عن مسلسل الجمال في علاقة الأستاذ بطالبه بين سقراط وارسطو وأفلاطون، التلميذ المنشق كما اسماه، الذي رفض نظريه معلمه المثالية، حيث تمكن ارسطو من تخصيب الفلسفة بالملاحظة اليومية للحياة، وكما يقول الخال، اذا (كان للفلسفة من رئيس لجمهوريتها، فهو بالتأكيد ذلك الرجل صاحب الأنف الأفطس، القصير والبدين، والذي لا يشاهد إلا وهو يرتدي الملابس الرثة، وأعني به سقراط) ص ٣٩، ولهذا كان الثلاثة ارسطو وسقراط وافلاطون يعيشون في ترابط رغم اختلاف أفكارهم. ولهذا عاش الكندي حياته متأثرا بالفلاسفة الكبار، كما كان الجاحظ ينقل عنه انه بخيلا، لكن الخال يدافع عنه وقال انما عاش الكندي بهذه الصورة، ليكون أقرب الى صورة قدوته سقراط، حيث كشفت سيرة الكندي أنه استطاع منذ أن كان صبيًا، أن يطلع على التراث الفلسفي اليوناني، ثم يدخل كاتبنا في بطون علم الكندي ليستخرج من الكنوز ما اجملها، وتسألت اين مناهجنا الجامعية من هذا العلوم العظيمة!. وكأن الكندي قتل مرتين: الأولى عندما حاول الكندي أثناء حياته أن ينشئ مدرسة لعلوم الفلسفة، لكنه واجه معارضة كبيرة من رجال الدين، والثانية في عصرنا الراهن، عبر الإهمال والتجهيل المتعمد.

ثم يسبر علي حسين جمال كانت وذوقه، والذي كان لا يأكل اكثر من وجبتين طعام كما أفعل انا، والاهم وفق تخصصي في العلوم السياسية، أتذكر اني درست بعض من بواطن فكره في الفكر السياسي، كيف لا وهو وكان أول شخص يتصور تأسيس هيئة عالمية قادرة على ضمان السلام في العالم، وكانت هذه الفكرة التي طرحها في كتابه مشروع للسلام الدائم، وفي مقاربة جميلة (باتمان والفلسفة) كتبه مارك وايت بالتعاون مع روبرت آرب، يخبرنا المؤلفان أن باتمان كان يبحث عن الحقيقة مثلما بحث عنها إيمانويل كانت، وأن الأسئلة التي طرحها باتمان تنتهي إلى نفس السؤال الذي طرحه كانت حول دورنا في هذا العالم، ولعل أول عبارة يطرحها كتاب باتمان والفلسفة هي: إننا أذكياء، إذ أننا فلاسفة (ص ٦٧)، كما حمل عنوان فصل الكتاب.

ثم في فصل جديد تحت عنوان (معطف هيغل الذي أنقذ الفلسفة من الضياع) يضع قصة جميلة عن معطف ماركس في مقاربة رائعة بأسلوب ادبي، كان كارل ماركس يرتدي ملابس مناسبة، لكنه أغرم بالمعاطف، ومن الأمور الطريفة أو المؤلمة في حياته أّنه اضطر عام 1850، لأن يرهن معطفه من أجل شراء وجبة عشاء لعائلته، وقد وجد نفسه ممنوعًا من دخول غرف القراءة في المكتبة البريطانية لأن ملابسه كانت غير لائقة حسب قول موظف المكتبة، وقد أشار ماركس إلى الطريقة الضارة التي يمكن للملابس، التي هي سلعة، أن تلعب دورًا لتقليل ورفع من شأن صفات كائن بشري، ولهذا كان يقول عن المعاطف إنها تمتلك حياة شيطانية.(ص ٧٤)، ليدخل بعدها بأسلوب شيق في رحاب الفلسفة الهيغيلية، التي جعلت من لينين يكتب في دفاتره الفلسفية أنه: من المستحيل فهم كتاب رأس المال، دون دراسة مستفيضة لمنطق هيغل، فلما حّل مرض الكوليرا بدا هيغل غير قلق من الوباء على خلفية قّلة اختلاطه بالناس، وهو شكٌل من الشجاعة دفع ثمنه، وهذه رسالة أخرى يقدمها الفلاسفة لعالم الوباء الذي نعيشه اليوم.ندخل في رحلة سبينوزا، الذي كتب عنه نيتشه قائلا أن: كل تلك الشعوذة الرياضية التي استعان بها من أجل تغطية مزاجه الفلسفي،

وإخفاء محبته لحكمته الشخصية، هي في الحقيقة درع واقي، أراد به فيلسوفنا أن يّتقي منذ البداية ما قد يوِّجه لها لخصوم من انتقادات(ص ٨٩)، وصولا الى سارتر والوجودية، والفريق الذي يعتقد به انصار هذه المدرسة الفلسفية، حيث يوضح رفض غابريل مارسيل تشاؤمية الوجودية التي نادى بها سارتر وكان شعارها الآخرون هم الجحيم، فهو مخلص لمقولة معلمه كيركغارد من أن البشر مكتوب عليهم أن يعيشوا معًا وأن يتبادلوا المحبة وأن يتألموا ويفرحوا ويموتوا. (ص ١٠٩).

ثم يتحدث الخال عن اهتمام العالم بماركس بعكس رفيقه أنجلز، دائمًا ماُ يطرح السؤال: هل أن شخصية ماركس ألقت بظلالها على فريدريك إنجلز؟، حتى أن الماركسية أو الشيوعية ما أنُ تذَكر حتى يتبادر للذهن فورًا اسم كارل ماركس، ونجد أن الكتب التي تتحدث عن إنجلز وحياته قليلة بالقياس إلى ماركس، حتى ان علي حسين يغطس في بحر الكتب ليحاول أنصاف هذا الفيلسوف المهم، قائلا بعد رحلة علمية شاقة ومنصفة، لم يكن لصداقة ماركس وإنجلز مثيلا في التاريخ، فهي لم تعرف شيئًا من المنافسة وحب الذات، فكلما كان فكرهما يصبح واحدا، كلما ظل كل منهما هوية منفصلة وإنسانا مستقًلا. (ص ١١٨)، وأين الصداقة الأكاديمية والثنائية في عالم اليوم.

ثم يتسأل الخال علي حسين: هل كان ديكارت سياسيًا؟، حيث يجمع معظم كتاب سيرة الفيلسوف الفرنسي الشهير أنه ربما كان الفيلسوف الوحيد الذي لم يكتب في السياسة، ورغم أ ّنه اشتهر بكونه مؤسس الفلسفة الحديثة، إلا أن علاقته بالسياسة لا تتعدى علاقته بالفيلسوف الإنجليزي الشهير فرنسيس بيكون المدافع الأول عن أفكار مكيافيللي المفكر الإيطالي العظيم، والذى عشت معه جوله فكرية رائعة عندما قدمت كتاب (الأمير) الصادر عن دار الرافدين للطباعة والنشر عام ٢٠١٩، والذي سبر غوره أيضا الخال في محاولة لقراءة منصفة، ثم سيبر غور فونتيل، ونتنيل أول من صاغ فكرة تقدم المعرفة كمذهب كامل، وأول من نادى بفكرة تقريب العلم للناس، وكان من نتائج تغلغل هذه الفكرة وانتشارها في عقول عامة الناس وتحولها إلى قّوة حّية في المجتمعات المتحضرة، ثم ينتقل كتاب خالنا الى عالم التنين الوحشي لهوبز، متنقلا بين اتون نظرياته الجميلة، وكالعادة مثل بقية الفلاسفة يمارسون الرياضة البدنية فضلا عن الفكرية، حيث يعد كتاب (اللفياثان) من الكتب المؤسسة لنظرية فلسفة الدولة، ولعله الأكثر تأثيرًا في علم السياسة بعد كتاب الأمير،وتقوم فكرة الكتاب على أن البشر أنشأوا تقاليد سياسية للحكم والدولة استنادًا إلى قدراتهم ومخاوفهم وطبائعهم الخاصة (ص ١٤٧)، ليدخل بعدها عوالم جون لوك وعقده الاجتماعي، وصولا الى ثورو بإيمرسون، مؤسس مذهب التسامي، الذي كان يؤمن بأن في كل فرد شرارة إلهية، وأن كل إنسان تقع على عاتقه مسؤولية تنمية الجوانب السامية من طبيعته، وتعمق علي حسين في اتون نظريته الشهيرة العصيان المدني، التي وصفها نعوم تشومسكي في كتابه (احتلوا) عد كتابات ثورو بمثابة إنجيل الثورات السلمية، (ص ١٦٧).

ثم يدخل في فصل خاص عن صاحب عبارة (الفصل بين السلطات)، ومعها فكرة الحكومة العادلة المستنيرة، وقد عرف العرب صاحب هذه العبارة قبلما يزيد على الـ180 عامًا حين قرر رفاعة رافع الطهطاوي أن يترجم كتاب مونتسكيو (روح الشرائع) الشهير والذي اعادت دار الرافدين طباعته مؤخرا، بعد عودته من باريس عام 1831، إذ أراد أن يهدي الكتاب إلى حاكم مصر محمد علي، ثم يقول كاتبنا علي حسين في عبارة مؤثرة:(ومن المؤكد لو أن مايكل أنجلو أو مكيافيللي أو فولتير أو روسو أو مونتسكيو أو حتى الطهطاوي قد أنفقوا جزءًا من وقتهم في النقاش فقط حول الإصلاح والتنوير، كما نفعل نحن الآن، وفي الاشتراك بمؤتمرات ومهرجانات عن الإصلاح والديمقراطية، بدلاً من نحت التماثيل وكتابة الكتب وإنشاء المدارس، لما قام عصر النهضة ولما تحقق التنوير، وكان يمكن القول إن بلداننا العربية لا تعرف حتى هذه اللحظة من هو مونتسكيو) (ص ١٧٩).

وبعدها تنتقل سفينة الفلسفة الجميلة الرائعة غير المملة بذوق وادب علي حسين، الى العالم جون ميلتون ورحلة البحث عن فردوسه المفقود، ثم يوصي الخال في مقدمة حديثه عن فتغنشتاين، برحلة ضرورية الى رحاب شارع المتنبي في قلب بغداد، لا بد من زيارة دار الرافدين واللقاء بالصديق الناشر محمد هادي، وفي غيابه يحتل مكانه المثابر حسن أكرم، حيث اهتمت دار الرافدين بثورة في مشروع متكامل بترجمة رسائل لكبار الفلاسفة والكتاب ومنهم مارسيل بروست، فرويد وأينشتاين، أوسكار وايلد، واخرين ومنهم صاحب هذا الفصل، الذي ولعل أعظم ما في فلسفة فتغنشتاين هو تفكيكه لعمل اللغة، وأن اللغة في أحسن أحوالهاُ تصّور الواقع.

وما ان حطت رحلة الكتاب عند نيتشه حتى وجدت ان الخال عل حسين قد ارخى قلمه عشقا لهذا الفيلسوف الكبير، صاحب العبارة الشهيرة: انا ديناميت، وان كثير من الذين درسوا فلسفة صاحب (هكذا تكلم زرادشت) يؤكدون أن كتابات نيتشه كانت بحثًا عميقًا عن جذور التفّسخ في الثقافة الأوربية، حيث وصل نيتشه إلى استنتاج أن أوربا فقدت قوة الحياة الدافعة لخلق قيم تؤدي إلى ثقافة قوية وجديدة، (ص ٢٠٧)، ثم يأخذنا الخال في رحلة الى باريس وعالمها الانيق بلا تأشيرة وجواز على عتبات سارتر إلى ذاكرة بروِدل في رحلة فكرية معمقة وكيف اثرت في تشكيل هوية فرنسا الثقافية، وصولا الى ميرلو بونتي الذي عاش خلال حياته القصيرة، مثل باسك:يبحث عن فردوسه المفقود، كان يريد أن يفهم نفسه، فهو يؤمن بأن وجود الإنسان لا يتم إلا بالتوافق مع العالم وتفهمه، المراقبة والفهم الدقيق للطريقة التي يشتغل بها هذا التوافق (ص ٢٢٣)، ثم يتحدث عن بطل البنيوية رولان بارت والذي يقول فيه الخال بانه (لعل الميزة الكبرى التي امتاز بها رولان بارت هي تنوع المجالات التي عمل فيها، وعدم ترجيحه نوعًا من أنواع الإنتاج الثقافي على نوع آخر، وكان يصر على أن مهمة الناقد والباحث والأديب والفنان هي في اللحاق بالحركة الدينامية للإنتاج الثقافي من دون أن يتصور، ولو للحظة،أّنه هو الذي يخترعها) (ص ٢٣٨)، وصولا الى كارل بوبر وكيف واجه المجتمعات المنغلقة بالفلسفة، حيث وصفُه ستيفن هوكينغ على أّنه الفيلسوف الأكثر تأثيرًا على العلماء في العصر الحديث، يرى أن العلماء الحقيقّيين يتمّيزون بمحاولة تخطئة ورفض نظرياتهم بدلاً من محاولة إثباتها، إذ تستند فلسفة بوبر كما جاءت بكتابه (منطق البحث العلمي) إلى أن الخاصية المنطقية المميزة للعلم التجريبي هي إمكانية تكذيب عباراته (ص ٢٤٢)، ثم يأتي الفصل الثاني والعشرين من الكتاب متحدثا عن غاستون باشلار، بعنوان حين تكون الفلسفة والشعر شيئًا واحداً، اعقبه جولة في عالم توماس كون وكتابه الشهير بنية الثورات العلمية، ثم جون رولز صاحب نظرية العدالة، الذي صدر عام 1971 على أّنه الكتاب الأهّم في الفلسفة السياسية في القرن العشرين،مثلماُ ينظر إلى جون رولز على أنه الفيلسوف السياسي الأكثر أهمية في العصر الحديث (ص٢٧٢)، ثم يتحدث الخال عن رحلته الشخصية في البحث عن المصادر التي تتحدث عن البراغماتية التي يراها التعبير الأكثر دقة للفلسفة الأمريكية، وعن فلسفة جون ديوي هي فكرة الديمقراطية التي يرى أنها تسير جنبًا إلى جنب معا التحقيق، ويؤكد ديوي أن الديمقراطية هي استخدام المنهج التجريبي من أجل حّل المشكلات العملية.(ص ٢٩١).

يقول الخال في نهاية كتاب الممتع الذي لم اكن أتمنى ان ينتهي: (أنا أنتهي من الصفحات الاخيرة من هذا الكتاب، سألت نفسي: لمن ُتكتب الكتب؟ تذكرت أنني قرأت ذات يوم عبارة للروائي الإيطالي إيتاليو كالفينو يقول فيها إن (الكتاب ُيكتب لكي يوضع بجانب كتب أخرى)، فهل سيوضع هذا الكتاب على رفوف كتب الفلسفة، وهل أطمح في يوم من الأيام أن أقّدم كتبًا تستهوي قّراء هذا النوع منا لمعرفة الممتعة والصعبة والمعقدة في أحيان كثيرة؟) (ص٢٩٢)، سأقول للكاتب المميز لقد نجحت في تقديم الفلسفة بصورة رائعة وميسرة ومسلية واجدت بأدبك العال واٍسلوبك الممتع بين خبرتك الصحفية والبحثية وتنقيبك المتميز في ان تقدم لي علاجا لروحي من الوباء، وتقدم لقرائك رائعة جديدة تضاف الى سلسة روائعك المتميزة، وان كنت اريد ان أرى كتابا خاصا يعالج قضايا فلسفة الفكر الإسلامي والمشرقي عموما والذي برعت في تقديم عالمه الغربي، وسررت عندما اسررتني بقرب صدور مشروعك ووليدك الجديد، فكنت بحق صيدلية الفلسفة التي تقدم الجميل والمبتكر لعالم مريض وبات يعيش عصر التفاهة.


عن الكاتب

د.ياسر عبد الحسين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

ياسر عبد الحسين