د. ياسر عبد الحسين
لا خلاف في أننا نعيش في زمن مضطرب تندلع فيه الأزمات المتموجة بسرعة أكبر من السابق، وبشكل متلاحق، وهذا يتطلب زيادة عدد الادوات والفاعلين في محاولة اطفاء الحرائق السياسية أو تغيير مسارات العمل التقليدية للبحث عن حلول تختفي في ثنايا واجهات المعرفة او البحث او السياق المؤسسي الدبلوماسي التقليدي، وخصوصا في عصر صناعة المعرفة، يمكن تحويل هذا العصر وتغيير مسارات عمله حسب رغبة الدول وصناع القرار فيها، كما يقول أفلاطون: (تصبح المعرفة شيئاً شريراً إذا لم يكن الهدف فاضلاً)، فهل باتت مراكز المعرفة مثل بنوك التفكير مراكز الثينك تانكس (Think Tanks)، والبحوث ومراكز الدراسات واجهات لتنفيذ سياسات الدول او متلازمة لأخفاء نوايا الدول ؟.
وكما هو الشائع انه في الولايات المتحدة الامريكية لا يمكن ان تعمل في السياسة والدبلوماسية والعلاقات دون ان تمتلك علاقة مع مراكز للدراسات والابحاث وبنوك التفكير، او شركات العلاقات العامة، ولأجل فهم هذا الموضوع المهم، نطالع كتاب مهم صدر للسيد عباس راضي العامري عن دار الحكمة في بغداد تحت عنوان (حرب النوايا : السلطة الخفية لمراكز التفكير في صناعة القرار)، وتأتي اهمية هذا الكتاب لبحث موضوع يمثل مفاتيح اساسية في صنع القرار، فضلا ان المؤلف يدير مركز دراسات مهم في العراق، وهو المعهد العراقي للحوار وهي مؤسسة أكاديمية فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الاستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، فكانت واحدة من اهم المشاريع التي تعنى بعملية صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال المراقبة الدقيقة للاحداث الجارية وتداعياتها المحتملة عبر استشراف المستقبل لوضع المسارات اللازمة امام صانع القرار، وكذلك بوظيفته الرسمية كونه المستشار السياسي لمجلس النواب العراقي.
يرى الكتاب ان مراكــز التفكيــر تمثل ظاهــرة ٌ متميــزة، اســتطاعت التأثيــر فــي أعلــى مراكــز القــرار، لتمــارس دور الفاعــل المؤثــر وصانــع الافــكار الاستراتيجية، وساهمت في توليـد وتطويـر ونشـر الأفـكار وتسـويقها للنخبـة والـرأي العـام علـى حــد سـواء، بكونها أسواق المعرفة، حيث يعـد صانعـو السـتراتيجيات مراكـز التفكيـر أهـم ركائـز التخطيـط والأدارة لـكل دولـة، و علـى مختلـف الصعـد، حتـى صـار تقـدم وتطـور أســتراتيجيات الــدول يقــاس بحجــم اهتمامهــا بمراكــز التفكيــر ومطابــخ القــرارات، وبعــدد تلــك المراكــز وعمقهــا وجديتهــا فــي صنــع البدائــل والخيـارات وتسـويقها لمتخـذي القـرار كما يرى العامري، ولهذا فأن اخـر احصائيـة لجامعة بنسـلفانيا 2021 تشير الى الاعداد المتزايدة لمراكز البحث والتفكير في العالم التي وصلت الى 11175 توزعـت بيـن اوربــا 2932 مركــزاً وامريــكا الشــمالية 2397 واســيا 3389 ، وامريــكا الوســطى و الجنوبيــة 1179 مركزا ،بينمــا أفريقيــا وجنــوب الصحــراء الكبــرى 679 مركزا ، واخيـرا في الشـرق الأوسـط وشـمال افريقيـا 599 مركـزاً للتفكيـر والبحث. (ص13)
ويتناول الكتاب قضية بالغة الاهمية كأنموذج تلك القضية المتعلقة بمدى تأثيـر مراكـز التفكيـر فـي صياغــة السياســم الخارجيــة الأمريكية تجــاه المملكــة العربية السعودية بعــد عــام 2011، وجماعات الضغط السعودية تجاه صانع القرار الأمريكي عبر شركات العلاقات العامة، حيث يعتقد العامري ان هنالـك علاقة طرديـة بيـن المـال السـعودي من جهــة ومراكــز التفكيــر الامريكية وصنــع القــرار السياســي الخارجــي الأمريكي، ومن جهـة اخـرى كلمـا دعمـت المملكـة العربيـة السـعودية مراكـز التفكيـر زاد في ذلك تأثيرهـا فـي عمليـة صنـع القـرار بمـا يتـوائم مـع مصالـح المملكة (ص 11).
يعرض العامري فكرة مهمة ويحاول تصويب فكرة مغلوطة عن مراكز الابحاث فهو يقول أن هـذه المراكـز لا يقتصر عملها علـى انتـاج الدراسـات المطولــة، بــل يســتهدف اقتنــاص الفكــرة مـن كل موضــوع، ليحولهــا الــى مشــروع وخيــار يوضــع أمـام صانــع، ويتخــذ القـرار ليتحــول فيمــا بعــد الــى اجــراء وخارطــة عمــل، ســواء علــى مســتوى الاســتراتيجية او السياسـات العامة (ص 15)، لكن في سياق هذا الموضوع، ماذا اذا كان صانع القرار لا يقرأ ولا يرى اهمية لتلك المراكز كما يحصل في معظم الدول العربية؟.
الأهم ان تلك المراكز لا تشبه المؤسسـات الاكاديمية الاخـرى بكونها مراكـز للبحـث والتعليـم، التي تشـبه الجامعـات أو الكليــات، وهــي مؤسســات غيــر ربحيــة، وإن كان منتجهــا الابحــاث والأفــكار، فهي مراكـز إنتـاج و إدارة المعرفــة، ويذهب المؤلف بان مراكز التفكير هي مؤسســة أو معهــد أو جماعــة أو مركــز متخصــص للقيــام باقتنــاص الأفــكار الجديــدة في البحث والدراسات في موضوعات متعددة ســواء بهــدف نشــر الثقافة والمعرفـة، رغم ان البدايات الأولى لتأسـيس مراكـز التفكيـر، عبر تأسـيس الكراسـي العلميـة وكانت لأغـراض غيـر سياسـية، وان تـم توظيفهـا فـي السياسة لاحقا (ص 19)، ويعرض تاريخ عدد من مراكز الدراسات العالمية المهمة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا واسيا والشرق الاوسط وفق حسابات التاريخ والتأسيس، والتي تصدرتها واشنطن، ولهذا سلط المؤلف كتابه دراسة الأنموذج الأمريكي، متناولا أطر التنظيم الاداري والمالي لتلك المراكز (ص 28).
يقسم مراكز الدراسات الأمريكية الى عدة تصنيفات، منها ما يسميها جامعـات بـلا طـلاب وهـي المراكـز والمؤسسـات التـي تقـدم دراســات تخصصيــة فــي السياســة والأقتصــاد وغيرهــا، وابرزهــا يعمـل علـى موضوعات السياسـة الخارجيـة، الـذي يقـع فـي مقدمتهـا وأهمهـا (مجلــس العلاقــات الخارجيــة) ويهتــم هــذا النــوع مـن المراكــز بدراســة ورصــد وتحليــل ما يواجــه المجتمــع الامريكي من مشاكل على المســتويين الداخلــي والخارجــي ووضــع الحلــول والبدائــل لهــا، أما النوع الثاني فهي مراكـز استشـارية تقـدم حلـول لمـا يعتـري عملية الادارة الانية، والنوع الثالث هي مراكــز الضغــط والمصالــح وهــي المؤسســات التــي توظــف البحـوث والدراسـات والفعاليـات التـي تقيمهـا من اجـل الضغـط والتأثيـر فـي صنـاع القـرار بمـا يتماشـى ومصالحهـا، مثل معهد واشنطن (ص 29 وما بعدها)، ويعلل العامري سبب تعاظم دور المراكــز فــي صياغــة السياســة الخارجيــة والداخليــة الأمريكيــة، ويرجــع ذلــك إلــى طابــع اللامركزية فــي النظــام السياســي الأمريكــي، وانخــراط الولايات المتحدة الأمريكية كفاعــل رئيــس فــي العلاقــات الدوليــة (ص 36).
ويشرح الكتاب دور المراكز في اعداد الشخصيات وصقل مواهبها في دعم استراتجيات الدولة الخارجية، وكيف عملت تلك المراكز على سد الثغرة بين العالم الاكاديمي والعالم الواقعي عبر ما تقدمه من توصيات وسياسات، كما يرسم حديث علمي دقيق حول سياسة الباب الدوار، متناولا طريقة تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع ملف العراق وايران، وكمثال الباحثة (زهرة بيل) مسؤول ملف العراق في البيت الأبيض، و (سام باركر) مسؤول ملف ايران في البيت الأبيض، كيف تنقلوا من مراكز البحوث الى الخارجية الأمريكية (ص 46)، فضلا عن بقية النماذج في صناعة حكومات الخبراء عبر هذه المراكز، او استراتجيات الادارات المختلفة مثل فكرة الفوضى الخلاقة وغيرها.
كما يقدم السيد العامري في كتابه اهمية هذه البنوك في صناعة دبلوماسية المسار الثاني، اوالدبلوماسية الموازيــة وهي تقابل الدبلوماسية الرسمية في المناطق الذي يتعسر على المسار الأول العمل عليها او التحرك فيها (ص 52)، ثم يدخل الكتاب في شرح علمي لمفهوم صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وعن ادوار الرئيس ووزارة الخارجية، والبنتاغون، والمؤسسات الامنية والأستخبارية، ثم يتوسع في شرح الصلاحيات القانونية لدور الكونغرس الأمريكي في صياغة السياسة الخارجية (ص 76)، ويخلص فيه إن مركـز عمليـة صنـع القـرار فـي الولايات المتحدة الأمريكية غير مستقر، ويتحول من مؤسسة الى اخرى، وحيث يتحول مركز صنع القرار بحسب شخصية الرئيس، ففي حاله ضعفه يكون بيد الكونغرس وتارة يكون بيد الرئيس، وحسب مواصفات شخصية الرئيس وقوة حزبه ومقاعده التي يتمتع بها (ص 83)، ثم يتناول صنع القرار في المؤسسات غير الرسمية، مثل الشركات الكبرى كمصانع الأسلحة وشركات النفط، كما يتناول جماعات الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة وابرز ادوارها، ودور وسائل الاعلام، كما يتناول القضية الدينيــة فــي الولايات المتحــدة الأمريكية علـى الرغـم مـن تأكيـد الدسـتور الأمريكـي بتعديلاتـه المختلفـة علـى علمانيـة الدولـة وفصـل الديـن عنهـا، الا أن الديـن والحيـاة الدينيـة تتداخـل بشـكل جوهـري مـع السياسـة وتؤثـر فيهـا بوضـوح كبيـر. (ص 100).
ثم يقدم القسم الثاني من الكتاب متناولا السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية، حيث يرى المؤلف بانه تكتسـب المملكـة العربيـة السـعودية أهميـمة جيوبوليتيكيـة نظـراً لطبيعـة موقعهــا الســتراتيجي من جهة ولطبيعــة الخصائــص الجغرافيــة التــي يتمتـع بهـا هـذا الموقـع بالنسـبة إلـى القـوى الرئيسـية فـي النظـام الدولـي وفـي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية (ص 115)، فضلا عن الاهمية الاقتصادية للسوق الغربي، وأهميتها الامنية في هذا السياق بمنطقة الخليج ويؤكد اهمية العامل الاخير رغم ان المملكة علــى غــرار بعــض الــدول لا تنشر حجــم انفاقهــا العســكري، ولا تقدم أية بيانـات لمكتـب نـزع السـلاح التابـع إلـى الأمم المتحـدة حـول اجمــال الأنفــاق العســكري،(ص118)، فضلا عن تاثيرها على سوق النفط، حيث ان واشنطن تنظر إلـى المملكة بمنظـور التأثيـر علـى الاسواق العالمية، فبعـد أن قامـت المملكـة بزيـادة إنتــاج النفــط، إســتجابت إلــى دعــوات أوبــك بعــد تصريحــات الرئيــس السابق دونالــد ترامــب بشــأن خفــض الانتــاج والدعــوة للحــوار مـع روســيا، وهـذا لـه تأثيـر كبيـر في الأسواق العالمية (ص 122) ، وعلى البعد الأمني تتعامل الولايات المتحدة مع السـعودية بمنطق التعامل مع القضايا الامنية التـي تتصـل بالمنطقة، والتــي تؤثــر فــي المصالــح الأمريكية بشــكل كبيــر، خاصــة في موضوع التعامل مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومنطقة الخليج عبر ما يسميه الادارة بالتحالفات، رغم ان احداث 11 ايلول لعبت دورا كبيرا في اعادة تقييم العلاقات الأمريكية – السعودية، وقد أســهمت مراكــز التفكيــر المتصلــة بالحــزب الجمهــوري والنخـب السياسـية فـي دفـع الولايات المتحـدة الأمريكية الـى ما يعرف بالحـرب علـى الأرهـاب، بعـد ضـرب تنظيـم القاعـدة لبرجـي التجـارة فـي نيويـورك ووزارة الدفـاع فـي 11 أيلـول 2001 الأمر الـذي دفـع السعودية الى الاخذ بالاستشارات التــي اشــارتها عليهــا بعــض مراكــز التفكيـر للخـروج من مأزق التـورط فـي الأرهـاب، الـى ان تكـون شـريكة في الحرب عليه بعد ان غيرت وجهتها من دعم المجاهدين الافغان في حربهم على السوفيت بدفع أمريكي منذ ثمانينات القرن العشرين (ص 136).
ثم يتناول الكتاب تحديات العلاقات السعودية – الأمريكية في ادارة اوباما، حيث بلــغ التوجــس الســعودي أوجه بعــد 14 تمــوز 2015، أي بعــد اعتــراف الــدول الكبــرى الخمس ببرنامج ايران النووي، علـى الرغـم في الافتراق الواضح والمعلـن فـي العلاقات الثنائية بيــن الحليفين والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لكن هناك عاملين لا يمكن اغفالهما في العلاقات التاريخية هما: المال والنفط السعودي، والخطاب الخارجي للطرفين تجاه بعضهما للأخر، وخصوصا تدفق النفط الى الولايات المتحدة، مقابل تعهد الاخيرة بحمايتها من أي اعتداء، رغم التشنج الاعلامي بين الطرفين.( ص 143).
ثم يتناول الكتاب طبيعة العلاقة الثنائية بين الطرفين في عهد الرئيس السابق ترامب، حيث حاولـت المملكـة العربيـة السـعودية أن تعيـد ترتيـب وضعهـا السياسـي علــى المســتوى الداخلــي والخارجــي مـن أجــل تغييــر رؤيــة ترامـب نحوهــا، إذ أن واحــدة مــن أهــم التحــولات التــي شــهدتها الســعودية بوصـول الملـك سـلمان بـن عبـد العزيـز الـى السـلطة وجناحـه السـديري هـو تخلـي المملكـة عـن سياسـتها القائمة وإبتعادهـا النسـبي عـن الازمات التـي تعـج بالمنطقة بسـبب المشـاكل الداخليـة فـي المملكـة أو المشـاكل فـي إدارة السـلطة، لكنهـا وجـدت نفسـها متورطة في تدخلات عسكرية واضحة خــارج حدودهـا، وكان لزيـارة ترامب الى السـعودية فـي آيـار 2017 حالـة من التبـدل فـي التفاعلات الجيوسياسية القائمة في الخليج، على خلاف التوقعات التي ربطت بين توجهات ترامب الانتخابية حول ضرورة الاستغلال المالي للسعودية الى عقد اتفاقات شراكة مع الرياض ودول الخليج تتزامن مع تحول الحسابات الاستراتيجية والتفاعلات الاقليمية. (ص 146).
ومن خلال بنوك التفكير استطاعت الرياض من إعـادة توصيـف الأرهـاب، وبـدل من أن تكـون الدولـة الأولى في دعم الارهاب بحسب تقارير امريكية سابقة سوقت نفسها بانها الدولة الاولى المهتمة بمكافحة الارهاب والتطرف بعد انشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف في قمة الرياض، حيث ان طبيعـة الـدور الـذي تؤديـه شـركات العلاقـات العامة ومراكـز التفكير التــي تتعامــل معهــا المملكــة العربيــة الســعودية هــو ما يمنــح الســعودية الـدور المتنامـي فـي موقعهـا فـي الاستراتجية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط.
ثم يتناول العامري سياسة الرئيس الحالي بايدن تجاه السعودية وفق بنوك التفكير ومراكز الدراسات، حيث يرى ان بايــدن حــاول ان يــوازن بيــن مســارين صاخبيــن داخـل الكونغـرس، رأي يتبنـى اسـتمرار حمايـة المملكـة مـن اي عقوبـات وأســتمرار بيــع الاسلحة، وهــذا الــرأي تصــدره مراكــز التفكيــر ضمنــا عبر اللوبيـات المتصلـة بشـركات المجمـع الصناعـي العسـكري، ورأي يـرى ضــرورة ان يدفــع النظــام الســعودي ثمـن ما قـام بـه من قتـل الصحفـي خاشـقجي والحـرب علـى اليمـن.( ص 150).
ويكشف الكتاب بعـد تولـي الملـك سـلمان بـن عبـد العزيز سـدة الحكـم في السـعودية وولي عهده محمد بن سلمان، بـدأت المملكـة تـدرك اهمية القيام بحراك في البيئة الدولية والاقليمية، وتوظيف المال في القرار السياسي الخارجي الأمريكي بشكل اكبر، حيث تم تأسيس جماعــة الضغــط الســعودي والمتمثل بلجنـة شــؤون العلاقــات العامة السعودية الأمريكية (ســابراك)، فيما يعتقد إن واحـدة مـن قضايـا تأثيـر اللوبـي السـعودي فـي الولايات المتحـدة الأمريكية هـو الجانـب الـذي يتصـل بقانـون (جاسـتا) والـذي عـادة ما يحرج واشنطن بسـبب السياسـات التـي تتبناهـا المملكـة أو التـي تقـوم بهــا فــي تعاملهــا مـع قضايــا البيئــة الخارجيـة، وعلــى الرغــم مــن أن المملكة تعمـل بشـكل مسـتمر مـن أجـل تجـاوز هـذا الامر عبر اللوبــي الســعودي، وتأثيــر شــركات الاعلام والعلاقات العامة ( ص 172)، كما يتناول الكتاب قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي فـي 2 تشـرين الأول عام 2018 بكونها واحـدة من القضايا المؤثـرة في مكانة المملكة في السياسة الأمريكية، علــى الرغــم مــن التبايــن الــذي إتســمت بــه المواقــف في هــذه الحادثــة وخلافـا لموقـف دونالـد ترامـب، تبنى مجلـس الشـيوخ بالاجماع فـي خطـوة نـادرة انضـم فيهـا أعضـاء مجلـس الشـيوخ الجمهوريـون إلـى الديممراطييـن قـراراً يلقي المسـؤولية كاملة علـى ولـي العهد السـعودي الأمير محمــد بــن ســلمان فــي جريمــة القتــل، وعلــى اثــر ذلــك، أقــر مجلــس الشــيوخ مشــروع قانــون ينــص علــى وجــوب توقــف الولايات المتحـدة الأمريكية عن دعمهـا العسـكري واللوجسـتي للسعودية في اليمن (ص 177).
وحول تأثيــر جماعــات الضغــط فــي الولايات المتحــدة الأمريكية من قبل المملكة العربية السعودية وفي هذا الاطار وتحضيــراً لزيــارة ولــي العهــد الســعودي الــى واشنطن في آذار 2018، دعــا الســفير الســعودي الــى مقر الســفارة فــي الولايات المتحدة مجموعـة مــن اللوبيـات المؤثـرة فـي صنـع القـرار الخارجـي الأمريكـي، من اجـل ترتيب الزيــارة التي تأتــي فــي خضــم جــدل عالمي ضد سياسـة بـن ســلمان لوجــود قضيتيــن كبيرتيــن، حيث كان الكونغـرس على وشك مناقشة الحملة العسكرية فـي اليمـن وتبعاتهـا علـى الشـعب اليمنـي والتـي وصفتهـا الأمـم المتحـدة بأسـوأ كارثة انسانية في العالمية وحادثة خاشقجي الصحفــي الســعودي، وكان من اهــم المدعويــن نــورم كولمــان الســيناتور الســابق، ومـارك لامبكين المستشـار المخضـرم، و الفريـد موتـور، المخطـط السـتراتيجي الشهير، وباتت مراكز البحوث بوابات السعودية الاولى لصنع القرار في واشنطن.
لهذا دخلت مراكز الابحاث وبنوك التفكير بكونها فاعلا مهما وغير رسمي في البيئة الدولية، واصبحت بوابات التفكير لصناع القرار السياســي الخارجــي، في سوق المعرفة، وعليه تأتي اهمية هذا الكتاب للباحثين والدارسين والدبلوماسية والمهتمين بالعلاقات الدولية وصنع القرار.