ياسر عبد الحسين  ياسر عبد الحسين

آخر المقالات

جاري التحميل ...

الدكتور محمد فاضل الجمالي رائد دبلوماسية الاستقلال.... القصة العراقية في دعم الثورة الجزائرية


                       د. ياسر عبد الحسين.                                      د. فاطمة الجمالي 

    

       الشيخ البشير الابراهيمي متحدثا في باريس بدعوة من الدكتور فاضل الجمالي الجالس الى اليسار منه عام  1951


            بين العراق والجزائر حكايا ومآثر سجلت بأحرف ذهبية، امتدت من النجف وكربلاء الى وهران وقسنطينة، ومن وادي الشلف الى العمارة، ومن الموصل الى الأوراس، منطلق ثورة نوفمبر المجيدة التي نعيش ذكراها الواحد والسبعون والتي ضحى فيها أكثر من مليون ونصف المليون جزائري بحياتهم في ملحمة مازالت تلهم شعوب العالم الحر الى يومنا هذا، ومن روح الأدب كانت ثورة التحرير الجزائرية وأبطالها مرتكزا ثقافيا مهما خاصة في الشعر العراقي، إذ تشير مراجعة لما جمعه الدبلوماسي الدكتور عثمان سعدي أول سفير للجزائر في العراق الى وجود 255 قصيدة نظمها 107 شاعر عراقي كان في مقدمتهم الجواهري، والسياب، والبياتي.

 ولعل من المحطات المهمة المبكرة في العلاقة العريقة بين الجزائر والعراق تلك الزيارة التي قام بها الامير عبد القادر الجزائري عام 1825 مع والده الشيخ محيي الدين بهدف أداء فريضة الحج وزيارة العلماء والأولياء في المشرق الإسلامي، وخاصة زيارة ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد، الذي يُعدّ الجدّ الروحي لعائلتهم ولعموم الطريقة القادرية التي ينتمي إليها، إذ تعرف الأمير عبد القادر خلال إقامته في بغداد على كبار العلماء، وتأثر بأفكارهم الروحية والعلمية، وهو ما أسهم في تكوين شخصيته الدينية والفكرية والسياسية التي برزت لاحقاً عندما تولّى قيادة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر.

ومن تلك المحطات والتي سنسهب في تفصيلها هنا هو الدور البارز للدبلوماسي العراقي رئيس الوزراء الأسبق، وزير الخارجية وممثل العراق في الأمم المتحدة، الدكتور محمد فاضل الجمالي في دعمه لاستقلال الجزائر وثورتها المجيدة عبر عدة مسارات متكاملة نابعة من فكرة إنسانية تتعلق بالحرية والكرامة وحق تقرير المصير قبل ان تنبع من جانب قومي او عقائدي، لكنها واقعية أيضا، فالجمالي أدرك من خلال خبرته الواسعة ان السياسة الخارجية لأي قضية في المسرح الدولي لن تتحقق دون ان يتم العمل عبر ثلاثية (القوة، والدبلوماسية، والاقتصاد) وبذلك فان الجزائر بحاجة الى ضغط دبلوماسي ودعم اقتصادي ودعم عسكري. وقد عمل على هذه الاتجاهات من لحظه وعيه المبكر بهذا الملف والذي سينشر بتفاصيله مع الوثائق لاحقا في مذكراته السياسية والشخصية.

حارس الاستقلال الدبلوماسي

دبلوماسيا، بعد أن اتخذ مجلس الجامعة العربية في نيسان 1953 قراراً برفع القضية الجزائرية إلى الأمم المتحدة، قرر أعضاء الوفود العربية إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 1954 فقد انبرى الجمالي الذي كان بشرح القضية وطالب بإدراجها ضمن جدول الأعمال، لكن اللجنة التوجيهية التابعة إلى اللجنة السياسية رفضت الطلب بحجة أن القضية الجزائرية قضية فرنسية داخلية، وقد اعترض الجمالي على قرار اللجنة التوجيهية، وطالب بفتح المناقشات حول القضية مرة ثانية، فاعترض عليه بول هنري سباك وزير خارجية بلجيكا، ودافع عن حق فرنسا في الجزائر، وقد أثار موقف المندوب البلجيكي حفيظة الدكتور الجمالي،  ورد عليه قائلاً: "إن الجزائر بلد شعبه ليس فرنسيا، وأرضه غير متصلة بفرنسا جغرافياً، إنها تريد التمتع بالحرية والمساواة والاستقلال"، وقد قوبلت مداخلة الجمالي بتصفيق متكرر من مندوبي العديد من دول العالم، وعندما جرى التصويت ربحت الوفود العربية المعركة بصوت واحد هو صوت الفلبين، التي أقنع الجمالي بدبلوماسيته وقدرته التفاوضية رئيس وفدها بالتصويت إلى جانب العرب بعد أن كان ينوي الامتناع عن التصويت، ودفعت نتيجة التصويت الوفد الفرنسي الى مغادرة القاعة محتجاً.

وفي دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت عام 1956 جرى نقاش طويل في اللجنة السياسية عن الجزائر، وكان الجمالي من أقوى المدافعين في المحافل الدبلوماسية عن القضية الجزائرية، وأستثمر علاقاته من خلال حلف بغداد، ولاسيما مع الولايات المتحدة الامريكية عبر نقاشاته المستمرة مع وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس الذي كان يحاول تبرير السياسة الفرنسية في الجزائر بالقول: "إن زمن الدول المستقلة قد انتهى، وان هذا عصر الاندماج وليس عصر الاستقلال" فيرد عليه الجمالي قائلاً: "انا مع الاندماج تماماً بشرط أن يتم بعد تحقيق الاستقلال، والاندماج ينبغي أن يتم بحرية ولا يكون مفروضا من الاستعمار وبالقوة كما يحدث الآن مع فرنسا"، و فيما أقر دالاس صراحة حق الجزائر بتقرير المصير، قال إنه لا يوجد سياسي في فرنسا لديه القوة والشجاعة بتنفيذ ذلك باستثناء ديغول الممسك بزمام أمور شمال إفريقيا، ورغم أن ديغول كان يستعرض الجزائر على أنها فرنسية ولن تنال الحكم الذاتي كما تونس والمغرب فإن ذلك لم يثن الجمالي عن الإستمرار في تحركاته من أجل القضية الجزائرية.

ونجد في الصناديق الدبلوماسية السرية لاجتماع حلف بغداد الذي انعقد في انقرة في عام 1958 جرى البحث في قضية الجزائر، وقد أدلى وزير خارجية بريطانيا آنذاك سلوين لويد مداخلة واصفا فيها بإن الجزائر جزء من فرنسا، كان من الحاضرين في ذلك الاجتماع رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد ووزير الخارجية برهان الدين باش أعيان، والجمالي، والأخير هو الذي رد بحسم على مداخلة وزير خارجية بريطانيا، قائلا: إن الجزائر ليست جزءا من فرنسا، والشعب الجزائري هو ليس فرنسياً ولا هو يريد أن يكون كذلك، ولم يعط الشعب الجزائري حقوقاً متساوية مع الفرنسيين وإن أيام الهيمنة الفرنسية على الجزائر يجب أن تنتهي، وذلك بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الجزائري، وإن على أعضاء حلف بغداد أن يفهموا تماماً أن القضية الجزائرية تشغل بال العالم العربي، فإذا لم يقم الغرب بحل المشكلة وفق ميثاق الأمم المتحدة فإنه يقدم بذلك الشيوعية على أنها البديل له و تكون قضية الجزائر سلاحا دعائيا قويا". 


 

              حلف بغداد .1958من اليسارالى اليمين: نوري السعيد، د. محمد فاضل الجمالي، جون فوستر دالاس.

كما يجدر الذكر ان الجمالي قد كرر ما فعله مع تونس، عندما ادخل المناضلين الجزائريين الكبيرين حسين آيت أحمد وفرحات عباس وغيرهم الى الأمم المتحدة كأعضاء في الوفد العراقي، كما استمرت حقيبة الجمالي الدبلوماسية بحمل ملف الجزائر الذي كان في صلب إهتمامها سواء في اجتماعات الجامعة العربية او مؤتمر باندونغ 1956 وغيرها من المحافل الدولية بعقيدة دبلوماسية صلبة. 

القوة الناعمة والقضية الجزائرية

لم تغب الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة عن ذهنية الجمالي المتقدة بالعمل الوطني، فقد سعى لتوعية وإطلاع الشعب العراقي على القضية الجزائرية حتى قبل اندلاع ثورة نوفمبر، ولا سيما عبر التعاون القوي مع الشيخ البشير الابراهيمي رئيس جمعية علماء المسلمين، وحين كان الاخير يقوم بزيارة بغداد، كان الجمالي يوفر الفرص مع أجل لقاء المسؤولين العراقيين، من أجل شرح تفاصيل ومستجدات القضية الجزائرية، وتعود هذه العلاقة الوطيدة الى اللقاء الذي جمع الدكتور الجمالي بالشيخ الإبراهيمي لأول مرة في خريف عام 1951 خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس وتحديدا أثناء الحفلة التي أقامها الجمالي في فندق كريون على شرف حصول ليبيا على الاستقلال. حيث قام الشيخ الإبراهيمي بدعوة من الجمالي بإلقاء كلمة في عاصمة فرنسا قائلا: "إن الجزائر ستقوم قريبا بما يدهشكم من تضحيات، وبطولات" وكان قد استهل كلمته بشكر الجمالي بحرارة، ونسب إليه ما يحمله اسمه من صفات (الحمد والفضل والجمال) في لفتة أخوية وأدبية منه. 

إلى جانب ذلك نشر الجمالي مقالات عديدة في الصحف العراقية المختلفة عن القضية الجزائرية وفي بعض الاحيان بإسم مستعار، ومن المواقف الطريفة أنه ذات مرة قام الرقيب بإيقاف مقالة كان قد كتبها تحت اسم مستعار في جريدة البلاد بعنوان: "الجزائر والضمير الإنساني"، انتقد فيها الذين لا يسهمون في كفاح الجزائر بينما يدرون أموالهم على موائد القمار، وبعد اتصالات أجراها تم نشر المقال، كما نشر سلسلة مقالات عن القضية الجزائرية في صحيفة "العمل" التي أسسها لاحقا وكان يشرح فيها بأسلوب دبلوماسي أبعاد النضال التحرري والمشروع الجزائري. فضلا عن ألقاءه الخطابات في بعض المناسبات، ففي الذكرى الثالثة للثورة الجزائرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1957 نظم اجتماعاً جماهيرياً كبيرا في بغداد والقى كلمة فيه عن أهمية نصرة الكفاح من أجل التحرر. 

                                                           


                                                          صورة من جريدة العمل التي أسسها الجمالي 

كما دعم الجمالي افتتاح إذاعة الجزائر في العراق سنة 1958 في حقبة رئاسة أحمد بودة للوفد الجزائري وكان كل من محمد الربعي وعلي الرياحي وعبد الحميد قرميط يتولون التحرير والتعليق السياسي وهو ما كان له دور في حشد الجماهير خلف قضية الجزائر العادلة، كما عمل الجمالي على استقطاب عشرات الطلبة الجزائريين في دار المعلمين العالية في بغداد، واستضافة الفرق الفنية لجبهة التحرير التي قدمت عروضا فنية ومسرحية، والرياضية الجزائرية مثل فريق الجيش وجبهة التحرير لكرة القدم للمشاركة الفعالة في العراق. 

الثورة والدبلوماسية الاقتصادية 

الدعم الاقتصادي للحراك الجزائري كان من المسائل التي شغلت بال الجمالي، حيث لم يكن في الموازنة العراقية بند خاص لمساعدة الجزائر، إنما كان فيه بند عام يتضمن ربع مليون دينار يستخدم للدعاية وغيرها علما أن الدينار العراقي وقتها كان يساوي ثلاث دولارات تقريبا. وقد نجح الدكتور الجمالي بإقناع البلاط ورئيس الوزراء للصرف من هذا البند لدعم القضية الجزائرية. وتم الدفع فعلا لزعماء الجزائر إما مباشرة أو بواسطة الملك محمد الخامس عاهل المغرب آنذاك.  ولكن المبلغ من الحكومة العراقية لم يتجاوز مقدار مائة ألف دينار سنويا، وهو مبلغ لا يكفي لحاجات الثورة الجزائرية حسب رأي الجمالي.

ولذلك، وفي عام 1956 بدأ الجمالي حملة لجمع التبرعات من الشعب العراقي مباشرة وذلك بعد تأليف لجنة مخصصة لذلك باقتراح من رئيس الوزراء في حينه نوري السعيد على ألا يتجاوز ذلك مبلغ خمسين ألف دينار. لكن الجمالي رأى أن ذلك المبلغ غير كاف للغرض المقصود ولا يليق بكرم الشعب العراقي. وضمت اللجنة التي ترأسها بنفسه الشيخ أمجد الزهاوي، وطالب مشتاق مدير البنك العربي في بغداد كأمين صندوق اللجنة، وبعض رجال المال والأعمال المعروفين مثل نوري فتاح، وعبد الهادي الجلبي. وفي ذلك الوقت كان أحمد بوده هو ممثل الجزائر في العراق والذي شارك في هذه الحملة بفعالية. وقد رعى الملك الشهيد فيصل الثاني أول اجتماع عام لإطلاق الحملة في بغداد بحضور رئيس الجزائر لاحقا أحمد بن بلة وجرى فيها تسليم الدفعة الأولى البالغة خمسين ألف دينار له. وفي نهاية ذلك العام تم جمع مئتي ألف دينار من التبرعات الشعبية من جميع مدن العراق أرسلت إلى جبهة التحرير الجزائرية.

واستمرت جهود الجمالي في العام التالي، حيث ذهب مع الشيخ أمجد الزهاوي لمقابلة رئيس الوزراء آنذاك علي جودت الأيوبي للتأكيد على الحاجة لتخصيص ما لا يقل عن مليوني دينار للجزائر. وبالتوازي قام الجمالي بجولة في المدن العراقية لجمع التبرعات. إذ توجه في الرابع والعشرين من أيار 1957 جوا إلى البصرة، وفى اليوم التالي عقد مؤتمراً صحفيا، حيث جمع أربعة عشر ألف دينار في أقل من نصف ساعة دعماً من سكان البصرة وحدها لإخوانهم الجزائريين. كما ساهمت مدن عراقية أخرى توجه إليها الجمالي بشكل دؤوب في التبرعات العينية والنقدية السخية للجزائر ومنها الموصل والحلة والعمارة وكربلاء والنجف وقد رافقه في عدد من هذه الجولات السادة عبد الهادي الجلبي وهاشم الحلي وممثلين عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وكانت للمرأة العراقية الدور الكبير في التبرع المالي والمجوهرات إما فرديا او من خلال تنظيمات المرأة والهلال الأحمر، وفي الأول من حزيران 1957 قدم الجمالي للوطنيين الجزائريين عبد الحميد مهري والشيخ عباس ولد الشيخ الحسين، صكاً بالتبرعات في حفل أقيم في قاعة الأمير عبد الإله بمدينة الكاظمية، واستغل المناسبة ليلقي كلمة حماسية مقتضبة قال فيها "لقد أصبحنا والجزائر جسماً واحداً". 

فيما قدم العراق عام 1957 من خلال الجامعة العربية مساعدة مالية بلغت 319600  باون إسترليني أي ما يعادل 15.98  بالمائة من مساهمات الدول الأخرى، ويسجل ان حكومة العراق وبدور الجمالي الكبير هي الحكومة الوحيدة عربيا التي جعلت من مساندتها للثورة الجزائرية بتخصيص جزء من ميزانية الدولة.

وفي سياق متصل تجدر الإشارة إلى الموقف المشرف للمرجعية الدينية في دعم الثورة وحث العراقيين على التبرع، ونذكر هنا الزيارة التاريخية للشيخ البشير الإبراهيمي إلى مدينة النجف الاشرف عام 1954، ولقائه مع الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي عرف بمواقفه الوطنية والإسلامية لدعم الاستقلال. كما زار لاحقا النجف وفد جزائري برئاسة العقيد هواري بومدين، بعد انتصار ثورة نوفمبر عام 1962 عرفانا منه للموقف الداعم للثورة الجزائرية حيث التقى الوفد المرجع الديني السيد محسن الحكيم. 

 


                     العقيد هواري بومدين مع المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم عام  1963  في النجف الاشرف لتقديم الشكر للمرجعية الدينية التي دعمت ثورة الجزائر ماديا ومعنويا.

لا دبلوماسية بلا قوة

من أبرز إنجازات الجمالي الشجاعة هو سعيه المستمر لإقناع الحكومة العراقية بإرسال السلاح إلى جيش التحرير الجزائري. وكان العراق قد وصلته من حركة رشيد عالي الكيلاني السورية عام 1941 شحنة من الأسلحة الفرنسية من البنادق والرشاشات والذخيرة، ولم تكن تلك الاسلحة مستعملة من الجيش العراقي وظلت في المخازن، واعتقد الجمالي بإنها ستكون مفيدة جداً للجزائريين الذين اعتادوا على استخدام الأسلحة الفرنسية. وقد بارك نوري السعيد الفكرة، وبذلك أرسلت بعض الأسلحة في البداية عن طريق البر الى سوريا عن طريق ممثل الجزائر في دمشق عبد الحميد مهري، ثم أخذت الحكومة العراقية ترسل الأسلحة جوا الى مقر الجزائريين في ليبيا. وقد قام الطيار العراقي يوسف عزيز وهو من طلاب الجمالي بنقل السلاح إلى هناك برحلات جوية متعاقبة، حيث تشير المصادر الى ارسال اكثر من الفي بندقية فرنسية من نوع (اوتشكيس) الى جانب 50 الف اطلاقة، أقدمت الحكومة على شراء 200  رشاشة إيطالية من نوع ( بيرثا) مع كل رشاشة 300 أطلاقه بمبلغ سبعة الاف دينار، وهكذا نقل العراق السلاح الفرنسي للثوار في خطوة تستحق الإشادة وبعبقرية فذة تميز بها عميد الدبلوماسيين العراقيين.  وقد كان لدعم العراق الأثر الطيب في نفوس الجزائريين ومحل تقدير لجنة تحرير المغرب العربي في القاهرة التي وصفته بأنه "حامل مشعل القومية".

الجمالي وسيطا دبلوماسيا 

بعد أن اختطفت السلطات الفرنسية خمسة من زعماء جبهة التحرير الجزائرية، وفي مقدمتهم أحمد بن بلة في الثاني والعشرين من تشرين الأول 1956، في طريقهم إلى تونس بالطائرة، أختار ملك المغرب محمد الخامس، الجمالي ليمثله شخصياً في التحكيم الذي تقرر أن يجري بين بلاده وفرنسا بصدد مصير القادة الجزائريين الخمسة، وفي الرابع والعشرين من أيار 1957 أبلغ وزير الخارجية المغرب السفارة العراقية في الرباط رسميا رغبة المغرب بتكليف الجمالي، لكن الدعوة لم تصل في موعدها، وقد أعلن المسؤولون الفرنسيون أنهم لن يحضروا لجنة يكون الجمالي طرفاً فيها إذ باتوا يعتبرونه خصما شخصيا لفرنسا، فتوجه الجمالي بطلب إلى محمد الخامس يلتمسه أن يعفيه من المهمة تفادياً لالتفاف الفرنسيين على جوهر المسألة وضمانا لمحاسبة فرنسا والافراج عن قادة الثورة المختطفين. 

النبل الجمالي وانتقال الإرث للجيل الجديد 

إن نضال الدكتور الجمالي في سبيل لقضية الجزائرية في داخل العراق وخارجه قد استمرت بنشاط واخلاص الى آخر يوم له من العمل السياسي العام حتى ليلة الثالث عشر من تموز 1958 وهو اليوم الذي سبق الإنقلاب على الحكم الملكي، حيث كان منزله في بغداد مشغولاً بوفد الجزائر إلى بغداد وذلك لتوديعه، إذ كان من المفترض أن يغادر الجمالي بغداد صباح اليوم التالي إلى ترکیا ومنها الى لندن برفقة الملك. ورغم ما حدث له شخصيا من قبل قادة احداث1958 يقول بإنصاف في مذكراته: " كنت في السجن محكوماً على بالإعدام وسررت كثيرا حين علمت أن عبد الكريم قاسم قد قدم للجزائريين مبلغ مليوني دينار". وهذا مما يظهر سمو النفس وعلو الأهداف عند الجمالي فهو يتجاوز عما حصل له من اجل قضية آمن بالدفاع عنها. 

 استمرت العلاقة المميزة بين العراق والجزائر من جيل إلى آخر في عائلة الدكتور فاضل الجمالي حيث انتقل الدكتور عباس النجل الأصغر للعيش في الجزائر بعد الاستقلال، وكان قد دفعه حبه وما شهده في البيت أثناء نشأته من نشاط مستمر لخدمة قضية التحرر إلى الرغبة في المساهمة الفعالة في تعريب الجامعات الجزائرية. خلال ذلك تقدم للزواج من الطبيبة الجزائرية الدكتورة ليلى هدام بوجاهة ممثلا الجزائر في العراق احمد بوده، والشيخ عباس ولد الشيخ الحسين. وبذلك توج التفاني في خدمة قضية تحرير الجزائر باجتماع نسل ابن العراق الدكتور فاضل الجمالي بنسل ابن الجزائر التربوي القدير الأستاذ مختار هدام ورزقا بأول حفيدة لهما فاطمة وبعدها أسماء وسعاد ومحمد فاضل، وهكذا يتبين أن عقيدة الجمالي جعلت منه مدافعا قويا عن حق الجزائر في الاستقلال، إذ آمن بصدق وعمل بكل جهده من أجل حرية الشعب الجزائري التي كان يراها خطوة مهمة لتحرير الشعب الفلسطيني وتعويضا لما تعرض له هو شخصيا وجميع العرب من احباط في القضية الفلسطينية. 

 


صورة من أرشيف العائلة بمناسبة خطوبة نجل الدكتور فاضل الجمالي 1975 . من اليسار الى اليمين: د. تيجاني هدام، د. فاضل الجمالي، أ. مختار هدام، سي أحمد بوده (ممثل جبهة التحرير الوطنية في العراق)، د. عباس الجمالي. 


نشرت المقالة في صحيفة الشروق الجزائرية وصحيفة الصباح العراقية . 


عن الكاتب

د.ياسر عبد الحسين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

ياسر عبد الحسين