ياسر عبد الحسين  ياسر عبد الحسين

آخر المقالات

جاري التحميل ...

رسالة الى الشباب السياسي






عزيزي أيها الصديق الغالي
 تحية لك ...
  


  بمناسبة يوم الشباب العالمي.. يسرني ان اكتب لك وانت تعيش السياسة بكل تفاصيلها مرغما او محبا، وتتعاطف صيحاتك وارائك ما بين اليمين واليسار بحثا عن بوصلة سياسية تعتقد انها الأقرب الى الصواب، وتتقاذفك أمواج تسونامي الخطابات السياسية التي توزع الحصص وتقسمها ما بين شيطاني وملائكي واسود وابيض وما بين وطني وخائن، لتدخل وصفات الشعبوية من تصنيفات المكياج السياسي التي تضرب عمق الهوية المجتمعية، لتدق اسفين علاقاتك الاجتماعية، فبت تقاطع اباك او اخاك او صديقا لك بسب موقف سياسي، تحت تأثير سيولة الهويات الجديدة المنمقة بالخطابات الشعبوية المصاحبة لاضطراب الهوية، لنحول حوارنا بحثا عن الصوابية السياسية كما ذات يوم قال تشرشل لبرنادشو (وكان تشرشل ضخم الجثة): (من يراك يا أخي برنار (وكان نحيل الجسد جدا)، يظن أن بلادنا تعاني أزمة اقتصادية حادة، أزمة جوع خانقة، فأجابه برناردشو: (ومن يراك يا صاحبي، يدرك فورا سبب الأزمة).
اكاد أرى اوداجك وهي تكاد تنفجر دفاعا وانت تتحاور مع صديقك بكل قسوة دفاعا عن تلك القضايا التي جاورت مخيلتك بانها الحقيقة، لحظات ويستمر يأخذ الصوت مداه في الارجاء بحثا للحصول على كسب رهانك، وثم يتطور الموضوع الى ارتجاج النفس ومن ثم تبدأ دورة العنف صداها، عندما تتحرك الايادي بحثا عن معركة حقيقية عنيفة تبتدأ برأي سياسي مخالف، لتنتهي بخيانات وخصام، لتكتشف لاحقا ان الصوابية في السياسة هي لعبة كبيرة، وان الحقيقة هي أقرب تلك التي يصفها الامام الشافعي في قول ينسب له: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، في رسالتي لك عدة نقاط اشير لها لك في عدة نقاط:
في السياسة المراجعة لا تعني التراجع: في المناخ السياسي الحديث، حاول أن تقرر موقفك السياسي بناءً على أفكارك وقيمك، بدلاً من أن يقرر الأشخاص من حولك آرائك، رغم ان الراي العام هي لعبة كبيرة (أقرا كتاب سايكولوجيا الجماهير – غوستاف لوبون) رغم ان ذلك لا يخلو من صعوبة، لكن القراءة هي مفتاح مهم جدا لفهم ما يحصل، وأدرك جيدا ان السياسة ليست تنبؤات وهي فن المراجعة اليومية، والمراجعة لا تعني بالضرورة التراجع، فما أجمل مقولة الفيلسوف الفرنسي فولتير التي تقول (قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك).

السياسة معرفة وعلم: لست ادعوك الى ما يعرف بخطاب التنمية البشرية تلك البضاعة الرائجة في عالم اليوم، ألَّف دايل كارينجي كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) إلا أنه مات مكتئبا، وكتب عن الصداقة في كتابه (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس)، ورغم ذلك مات وحيدا من غير أصدقاء، بل أقرا بعمق عن تجارب مهمة صاغت تاريخ السياسة والعالم كما فعل غاندي ومارتن لوثر كينغ، وكيف ان الأوطان تبنى بالعلم والتسامح والمعرفة والاقتصاد، تماما، كيف فعلت اليابان وسنغافورة وماليزيا وغيرها من دول العالم.
ففي السياسة مساحات عظيمة للقراءة، وبدون الاطلاع لن تكون حججك السياسية راسخة، فمن يريد التغيير لا يمكن بدون ان يحمل بدون يديه كتاب، كما يقول نزار قباني (إنهم يريدون أن يفتحوا العالم وهم عاجزون عن فتح كتاب).
التمرين السياسي: كما تذهب للقاعة الرياضية لممارسة الرياضة، فان تمرين السياسة بحاجة الى تحضير، وحيث لا مسلمات في عالم السياسة، حتى لو كنت ميالا لأيدلوجية ما، وان كان الشاعر محمود درويش يقول (الأيديولوجيا مِهنة البوليس)، مهمتنا لن تكون شرطة الفكر، او سطوة قابعة في ميدان تاريخي عازل لكل ما يخالفك الرأي.
السياسة يا صديقي لغة الأرقام، والخطابات والعنتريات التي تدعوك لمناطحة طواحين الهواء، كما جاء في قصة الروائي الاسباني الشهير ثيربانتس الكاتب الذي يحكي قصة الفارس العجوز دون كيشوت الذي ظن نفسه فارسا عظيما، ويتصور ان الشر هي طواحين الهواء العملاقة متخيلا نفسه بطلا عالميا، وبالتالي إنها تعكس انتفاخ الوهم أمام عملقة سطوة الواقع.
الفرق بين السياسة والفكر السياسي: من أراد أن يلعب في الملاعب السياسية يجب ألا يكون سطحيا فيتعاطى في السياسة بقراءة المظاهر الشكلية وبطيبة أن النيات دائما حسنة، فقديما قيل: إن طريق جهنم محفوف بالنيات الحسنة، فالسياسة هي فن الممكن، والسياسة هي خدعة الثعلب وبكاء الضباع، كما يقول أمير الواقعية السياسية ميكافيلي: (على المرء أن يكون ثعلباً ليعي الفخاخ المنصوبة له، وأن يكون أسداً ليرهب الذئاب).
السياسة لعبة القدرات لا الشعارات: السياسة لعبة مغرية لكن لا تغامر بعشقها تطرفا، يقول شكسبير: (لا تبالغ في حب الأشياء، ستؤذيك يوما ما.. )، وهذا ما يتهم به دائما اغلب الشباب مع الاندفاع الزائد، وإغراء الشعارات، وتسلح بعيدا عن المؤامرة، تخرج في مظاهرة تلعن الأحزاب، ولكن تشكل لاحقا ان الأحزاب هي الحالة الصحية الوحيدة في النظام الديمقراطي، لتشكل لاحقا حزبا أو تنتمي حزبا، اذا كان هذا في مساحة الوعي الجديد، فهذا جيد، لكن الشعارات دائما لا تصنع الفارق.
الدخول في معارك الوهم: من مشكلاتنا السياسية اننا دائما ما ندخل في معارك وهمية مضخمة قد نقاد إليها دون أن نشعر، ونجر إلى حروب وهمية نظن أن بها غنائم، لكننا نفاجأ اننا نلعب في ملعب وهمي ليس له ذاك المردود الكبير على المجتمع، والنتيجة اننا ندفع الفواتير السياسية، وما كان خريف العرب الا أنموذجا. 
إذا كنت تريد تغيير العالم، فابدأ بعقلك، لست دمية سياسية، نصيحة مهمة لك صديقي ولكل أبناء جيلك، اتفق مع استاذنا العلامة الدكتور عبد الجبار الرفاعي بان الجيل الجديد مهارات متنوعة في توظيف وسائلِ التواصل الاجتماعي وهذه الوسائل هي التي تسهم في إنتاج أنماط وجوده وطرائق عيشه وطبيعة صلاتِه بما حوله، وبالتالي فان جيلك اليوم يستحق الثناء، لكن كم هو محزن أن لا نحول تلك المساحات التي نصنعها اليوم الى مساحات وعي وبناء، لا مساحات للتخوين السياسي، فالمشاركة السياسية تقوم على  الحوار والتفكير والتعلم، وهي ليست غاية بحد ذاتها، أبدا حياتك السياسية بالاعتراف بأنك أخطأت، وجل من لا يسهو، وتذكر دائما بان الوطن بحاجة الى شخص مثلك طموح شغوف يحمل هم بلده.
مع خالص امنياتي.
اخوك ياسر 


عن الكاتب

د.ياسر عبد الحسين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

ياسر عبد الحسين