ياسر عبد الحسين  ياسر عبد الحسين

آخر المقالات

جاري التحميل ...

حوار: العراق و”السوق السوداء للدبلوماسية”.. حوار مع ياسر عبد الحسين عن كتابه الجديد

بواسطة الصحفي حسام السراي

العراق و”السوق السوداء للدبلوماسية”.. حوار مع ياسر عبد الحسين عن كتابه الجديد

بغداد – 964

حسام السراي 





بعد سلسلة إصدارات وكتب، صدر حديثاً عن دار الرافدين في بيروت للدبلوماسي العراقي ياسر عبد الحسين، كتاب “السوق السوداء للدبلوماسية: عوالم القنوات الخلفية في السياسة الخارجية”، حيث يتناول الكتاب الجديد أدوار رجالات من غير الدبلوماسيين في العمل الدبلوماسي والوساطة، ضمن دراسة ربّما تعد نادرة على مستوى المكتبة العربية والأجنبية، وأجرت شبكة 964 حواراً مع الكاتب، كشف فيه جوانب مثيرة من كتابه الأخير، وأورد أمثلة عن ما يجري خلف كواليس الدبلوماسية الرسمية في مختلف دول العالم لاسيما منطقتنا، ومدى حاجة العراق إلى اعتماد “القنوات الخلفية” كما في تجارب مثل سلطنة عمان وقطر وتركيا والولايات المتحدة وغيرها.

وعبد الحسين من جيل الدبلوماسيين العراقيين الشباب ما بعد 2003، وله نشاط كتابي ومشاركات بحثية، ويواظب على الاستمرار بتقديم مؤلفات تتعدّد موضوعاتها وتنطلق من أحداث تخص المنطقة والعالم بأسره، وهو باحث وأكاديمي ودبلوماسي عراقي بدرجة مستشار، درس في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد: (البكالوريوس 2006-2007)، (الماجستير 2009)، (الدكتوراه في الدراسات الدولية عام 2014)، شغل منصب معاون عميد معهد الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية العراقية.

كتب ومؤلفات د. ياسر عبد الحسين:

(القيادة في السياسة الخارجية الأميركية بعد الحرب الباردة) عن مكتبة عدنان – بغداد 2015.

(الحرب العالمية الثالثة داعش والعراق وإدارة التوحش) عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- بيروت 2015.

(السياسة الخارجية الإيرانية مستقبل السياسة في عهد الرئيس روحاني) عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت 2015.

(منطقة الفراغ في العلاقات الدولية) عن مركز بلادي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية – بغداد 2017.

(الجيل الثاني للدبلوماسية / تدافع الهويات في السياسة الخارجية) دار الرافدين- بيروت 2020.

(مئة عام من السياسة الخارجية العراقية 1921- 2021) عن وزارة الثقافة العراقية – دار الشؤون الثقافية – بغداد 2021.

كان لنا هذا الحوار معه عن كتابه الجديد:

قنوات تواصل غير رسمية

 * إلى أي معنى يأخذنا هذا العنوان: “سوق سوداء للدبلوماسية”؟

– قد يكون تعبير السوق السوداء Black market تعبيراً سيئاً في الاقتصاد، لكنه قد لا يكون مشابهاً لذات المفهوم في السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي؛ ففي المفهوم الاقتصادي تمثل السوق السوداء كل التعاملات التجارية التي يتم فيها تجنب كل القوانين الضريبية والتشريعات التجارية وبالتالي تجاوز كل القواعد التجارية المفروضة من قبل الدولة؛ لأن هدف المشاركين في هذه السوق هو التهرب من دفع الضرائب على المبيعات أو المشتريات، وفي كثير من الأحيان تكون هذه البضائع مهربة، أي بمعنى أنها دخلت السوق من دون تسجليها لدى المؤسسات الرسمية مثل مديرية الجمارك.

أحياناً تنشأ هذه الأسواق بسبب عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي أي بالمفهوم الاقتصادي حصول حالة سوقية يزداد فيها الطلب إلى حد بعيد على العرض، وقد يتقارب هذا المعنى الأخير مع الحاجة لقيام سوق دبلوماسية سوداء، بالمقابل تفرض الدول عقوبات على المشاركين في أعمال ونشاطات السوق السوداء بسب الأضرار الاقتصادية الكبيرة على الاقتصاد الوطني، لكن في السوق السوداء للدبلوماسية قد تكون هناك مكافآت للمشاركين فيها! بعد نهاية العزلة والحواجز المجتمعية وأفول السيادة.

كل هذه الأسباب دفعت وتدفع العديد من دول العالم إلى إعادة تأسيس الفكرة القديمة (القنوات الخلفية) وتوظيفها في السياسة الخارجية، بما يرفع استخدام أنماط القنوات الخلفية Back channels في العلاقات الدولية بشكل ملفت، وتقوم فلسفة هذه الفكرة على إنشاء قناة اتصال مع حكومات أخرى أو مع ممثلين عن حكومة ما، دون المرور بالقنوات الرسمية للبرقيات الدبلوماسية، واستخدام السفراء أو الرجال غير الدبلوماسيين بعيداً عن الأساليب الرسمية للتواصل.

بيئة إقليمية حرجة

 * ما مستوى حاجة العراق والمنطقة لسوق دبلوماسية سوداء؟

– مع حجم التحديات التي تواجهها الدبلوماسية في ظل سجل الحروب الطويلة والجديدة، وحالة الغليان التي يعاني منها العالم، أصبحت اللقاءات بين قادة العالم وأدوار المنظمات الدولية والمبادرات التي تقوم بها الدبلوماسية التقليدية لا تأتي بالنتائج المطلوبة على الواقع الميداني، إضافة إلى تقييد التحرك السياسي الخارجي وعرقلته؛ بسب الاستقطاب والاقتتال والنزاعات السياسية في الداخل بين جماعات المصالح والأحزاب السياسية، وتزايد القيود في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية مثل البيروقراطية والانقسامات الداخلية وتنوع التحديات وتأثير الرأي العام.

يناقش الكتاب كيفية العمل على صناعة بيئة مؤاتية لقناة خلفية تستطيع العمل على إيجاد توازنات في بيئة العراق الإقليمية الحرجة، وإيجاد قناة تستطيع حل مشكلات الانسداد الإقليمي في المنطقة؛ ويحاول الكتاب تطوير فكرة آليات العمل الدبلوماسي من خلال فهم دور الدبلوماسية الحديثة وتمييزها عن الدبلوماسية السرية من خلال فهم بواعث القنوات الخلفية، وكذلك أهمية استخدام القنوات الخلفية في الوصول إلى الحلول الدبلوماسية المطلوبة بين مختلف الفواعل الدولية، وتقنين استخدام هذه القنوات لكي تصبح أكثر فاعلية لتحقيق أهداف المصلحة الوطنية، فضلاً عن العمل على تجاوز حالة القطيعة والانسداد السياسي في العلاقات الثنائية على مستوى السياسة الخارجية عبر إيجاد آليات تسمح بحراك دبلوماسي معين والذي قد يصل إلى مرحلة توظيف العلاقات الشخصية والعامة في فتح القناة الخلفية، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

وساطة بين طهران والرياض

 * أي ثيمة عراقية في هذا الكتاب؟

– مع تراجع المفهوم التقليدي للسيادة، وظهور أنماط جديدة من الصراع والتنافس، وقاطرة فاعلين من غير الدول Non state actors، بات الحديث عن سياسات (الحياد) و(التوازن) و(مسك العصا من المنتصف) كضرورة لبعض الدول التي حكم عليها التاريخ، ومنطق الجغرافيا، بأن تتواجد في قلب العواصف الإقليمية وحروب الوكالات، فليس لديها الكثير من الخيارات سوى أن تأخذ بتلك السياسات وهي أشبه بمورفين لتهدئة تلك الصراعات وانعكاسها على أمنها القومي، لكي تكون بعيدة عن مسرح صراع الأرض الثالثة أو الشرارات التي تنطلق منها.

إن مفاهيم الحياد والاستقلالية تراجع وجودها في قاموس العلاقات الدولية، ولم يبق منها سوى ما يتعلق بالترجمة التاريخية لمنظمة باتت تشبه الأوراق الصفراء في مكتبة دبلوماسية قديمة، وبات المفهوم بحاجة إلى مراجعة مع بقية المصطلحات التي تنتظرها مراجعة مثل السيادة وغيرها.

لهذا احتوى الكتاب على فصل مخصص للحديث عن الوساطة العراقية بين طهران والرياض، وخصوصاً عندما تكون البيئة الإقليمية والدولية المحيطة من الناحية الجيوبولوتكية مضطربة وغير مستقرة، وبحاجة إلى مبادرات حوار وتفاهمات مشتركة بعيداً عن لوبيات الضغط ووسائل الإعلام والدول المتضررة من تلك الاتفاقيات، والحالة العراقية في أشد الحاجة لمثل هذه التفاهمات لأن التركيز على الوساطة سيكون صعباً وسط البحث عن ظروف مستقرة، وتشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم اهتزازات جيوبولتيكية موازية نسبياً لتلك التي واجهتها في أعقاب تشكل الدولة الوطنية بعد اتفاق سايكس بيكو، ولهذا فإن أي تفاهم معلن وتفاوض سيخضع إلى عراقيل كبيرة، ولن يؤدي إلى نتائج مهمة أو كبيرة، ولهذا مفتاح دبلوماسية القنوات الخلفية قد يكون هو الحل، إذا ما نجح صانع القرار في توظيفه لكون هذا النوع من الدبلوماسية هو مفتاح التسويات.

أفراد خارج الجهاز البيروقراطي

 * ما الدور الذي يتاح لهذه السوق الدبلوماسية في الحروب الراهنة والمجازر سواء في الشرق أو الغرب؟

– يتناول الكتاب أدوار رجال مهمين غير دبلوماسيين قد نسمع بهم لأول مرة مثل صحفي أميركي أسهم في إنقاذ العالم من قيام حرب عالمية ثالثة، إنه جون سكالي John Sculley، صحيح أنه فرد، لكنه لعب دوراً كبيراً في إيقاف الحرب العالمية الثالثة عن طريق دبلوماسية القناة الخلفية.

سكالي الصحفي الأميركي في قناة ABC التقى بموظف مرموق في الاستخبارات السوفيتية، وسأله الموظف فيما إذا أقدم الاتحاد السوفيتي على الانسحاب من جزيرة الخنازير، هل ستقدم الولايات المتحدة الأميركية في المقابل على الخطوة ذاتها لإيقاف الحرب الوشيكة والبحث عن حل دبلوماسي؛ مثلاً إزالة أسلحة الاتحاد السوفييتي بإشراف أممي، أو منع كاسترو لاحقاً من إدخال هذه الأسلحة مرة أخرى مقابل إعلان أميركا بأنها لن تغزو كوبا؟.. بالتالي جون سكالي لم يكن دبلوماسياً، ولا سياسياً في مركز صناع القرار، وهكذا أتيح لصحفي فرد الحفاظ على حياة البشر من حرب عالمية جديدة عام 1962، والأمر نفسه بشأن الرسالة التي كتبها البابا يوحنا الثالث والعشرون تحت عنوان (السلام في الأرض)، والتي نشرت في الصحافة السوفيتية، حيث أسهمت في إبعاد شبح الحرب، وقد وصف الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon أهمية هذه القنوات الخلفية بضرورة أن يقيم الرئيس الأميركي قناة خلفية بعيدة عن الجهاز البيروقراطي للتفاوض خارج القنوات الرسمية وبعيداً عن عدسات الكاميرات.

مثال آخر شخصية سالم بن ناصر الإسماعيلي، رئيس الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات في سلطنة عمان والمستشار المقرب من الراحل قابوس، الذي أسهم في فتح الحوار بين إيران والغرب، حيث انتهى إلى توقيع الاتفاق النووي في تموز 2015، بعدما قام بكثير من الزيارات ملتقياً بالقيادات الإيرانية منذ عام 2009، فضلاً عن التواصل مع الخارجية الأميركية، وتحديداً مع دنيس روس Dennis Ross ورغبة الإسماعيلي في السعي للتواصل المباشر التفاوضي، فضلاً عن لقاء مع الدبلوماسي جون كيري John Kerry الذي كان آنذاك رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وكانت مسقط بمثابة جنيف العرب لصناعة السلام عبر الاتفاق النووي، ويقال أيضاً بخصوص مؤتمر الاستانة بشأن الأزمة السورية، إنه كان وراءه رجال أعمال، والتقارب بين روسيا وتركيا تم عن طريق تاجر تركي، أضف إلى ذلك دور الأديب الكبير غابرييل غارثيا ماركيز Gabriel Garcia Marquez في التقارب بين كوبا والولايات المتحدة الأميركية.

كساد الدبلوماسية المهنية

 * ما أهم فصول الكتاب؟

– حمل الفصل الأول في الكتاب عنوان (الكساد في سوق الدبلوماسية المهنية)، منتقداً فيه مسارات الدبلوماسية المهنية في مجال تحقيق الأهداف الخاصة بالدولة، أما الفصل الثاني فقد جاء بتعبير (البضاعة الدبلوماسية: طلب دائم بصلاحية منتهية)، ثم يدرس الفصل الثالث مسارات العمل الدبلوماسي.

ويتحدث فصل (الدبلوماسية في حضرة المعبد) عن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الدينية في القناة الخلفية، وأيضاً دور الدبلوماسية الرياضية في القنوات الخلفية ودبلوماسية المناخ، ثم يتناول الكتاب مفهوم القناة الخلفية وكذلك التمييز بين الدبلوماسية السرية ودبلوماسية القنوات الخلفية، ويتناول لاحقاً مثال القناة الخلفية في عهد ويلسون، وأصناف القنوات الخلفية، ثم يتطرق إلى الدبلوماسية السرية في اتفاقية سايكس بيكو، ويمر الإصدار على نماذج متعددة للقنوات الخلفية في إيرلندا، وإسبانيا، وسوريا.

الكتاب يشير أيضاً إلى مزايا دبلوماسية القنوات الخلفية مستشهداً بالقناة الخلفية في عهد روزفلت، ويعرج على سلبيات هذه الدبلوماسية، ثم يتوقف عند موضوع كثير الجدل وهو المتعلق الأخلاقي في السوق السوداء للدبلوماسية، متناولاً بالتفصيل حالة الصواريخ الكوبية التي توصف بأنها الدرس الحاسم في القنوات الخلفية، ودور الدبلوماسية الروائية وغابرئيل ماركيز، كما تتناول الفصول الأخرى ما أسميته بثورة القنوات الخلفية ( كيسنجر- نيكسون)، بإفراد فصل عن هنري كيسنجر ودوره في الصين، ويسلط الكتاب الضوء على القنوات الخلفية في الشرق الأوسط، والمفاوضات النووية الإيرانية، وفي فصل منفرد حمل عنوان (الدوحة عاصمة القنوات الخلفية)، مكرس للحديث عن الدبلوماسية القطرية، ودور القنوات الخلفية في الصراع العربي- الإسرائيلي، فضلاً عن استخدام ترامب للقنوات الخلفية، وأخيراً دور بنوك التفكير في القنوات الخلفية، ودبلوماسية بغداد الخلفية المشار إليها أعلاه بين طهران والرياض.

موقع 964

عن الكاتب

د.ياسر عبد الحسين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

ياسر عبد الحسين