يرى هنري كيسنجر
ان الدبلوماسية هي (فن المراكمة الصبورة لنجاحات جزئية)، ومع صدور الكتاب الموسوعي
(العمل الدبلوماسي واثره على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية) لاستاذنا
المتمرس البروفسور الدكتور احمد نوري النعيمي استاذ السياسة الخارجية في كلية
العلوم السياسية بجامعة بغداد، بجزئين كل جزء يقارب 600 صفحة، عن دار امجد في عمان
2023، حالا ترسخت عبارة كيسنجر في ذهني وادركت مدى حقيقتها.
حدثني استاذنا
الدكتور النعيمي عن فكرة الكتاب التي ولدت منذ عمله في كلية القانون والسياسة في
جامعة بغداد وقد كلف انذاك ان يدرس مادة ( الدبلوماسية)في المرحلة الرابعة بقسم
العلوم السياسية، حيث كانت كلية القانون مدمجة مع العلوم السياسية، حينها كان يعمل
مدرسا مساعدا في كلية القانون والسياسة 1974
– 1977 ، ثم مدرسا في كلية القانون والسياسة 1977 – 1982، ثم أستاذا مساعدا في
كلية القانون والسياسة 1982 – 1993 ، ثم أستاذا في كلية العلوم السياسية 1993 وحصل لاحقا على درجة استاذ متمرس
في العلوم السياسية .
عشق استاذنا
النعيمي العلوم السياسية منذ حصوله على درجة بكالوريوس كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية من جامعة بغداد عام 1968 ، ثم
لاحقا الماجستير من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1974، ثم
حاز الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة من كلية الاقتصاد والعلوم
السياسية عام 1979 .
وقد استمر
استاذنا العلامة الدكتور النعيمي بتدريس مادة الدبلوماسية لمدة خمس سنوات ونيف في
الكلية عام 1976 وقد وجد ان مفرداتها تقترب كثيرا من المنهج القانوني امتدادا
لمادة القانون الدولي العام وهو منهج تقليدي جرى تدريسه في الجامعات العربية
والاجنبية .
على مر تاريخ
السجل الدبلوماسي، كانت شروط نجاح الدبلوماسي ومهمته ترتبط بأمور تتعلق بأصناف
الطعام التي تسود موائده، وأصوله الأرستقراطية، وطريقة ترتيب شعره المستعار، أو
كما يقول هارولد نيكولسون إن الصفات الرئيسية للدبلوماسي المثالي هي: الصدق،
والدقة، والهدوء، والصبر، والمزاج الجيد، والحياء، والولاء.
لكن اليوم اصبحت
المعايير مختلفة وما عادت فكرة الاعتماد على إنسان مكيافيلي الذي يتخذ شكل الأمير
ليقلد الأسد والثعلب معاً نافعة، لهذا بات استاذنا الدكتور النعيمي يبحث عن الفهم
المعاصر للعمل الدبلوماسي.
بعدها استمر
دكتورنا بتدريس مادة السياسة الخارجية منقطعا عن تدريس مادة الدبلوماسية، لكن ظل
متابعا لاهمية اصدار مؤلف اكاديمي تشخيصي يجمع الاطار النظري والعملي، ويقدم رؤية
جديدة في الدبلوماسية بعيدا عن قضية
اتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي وقضاياه البروتوكول التقليدية .
وعلى هذا الاساس
باشر استاذنا بتقديم مجموعة من المحاضرات الى طلبة الدكتوراه في قسم الدراسات
الدولية في السنوات الماضية الاخيرة وقد شرع بتاليف هذا الكتاب، وقد وجد انه من
الافضل تدريسها باساليب علمية وبمنهج علمي وبمنأى عن المنهج التقليدي القانوني
وعلى الرغم من صعوبة المادة حيث دخل في تفاصيل العمل الدبلوماسي الحديث والنماذج
المتعددة معرجا على نماذج من دول مختلفة .
الموسوعة التي
بين ايدينا كتبها استاذنا، مد الله تعالى بعمره، شملت جهود واكبت فهم الدبلوماسية
لمدة 15 عاما دون ملل ودون انقطاع حسب ما يروي لي اولاده الكرماء الذين لم يكن
يرونه الا ساعات محدودة على مائدة الطعام، مقيما دائما في مكتبته العامرة (التي اعتقد
انا شخصيا ليس لها نظير في عالمنا العربي) من اجل انجاز هذا المشروع الاكاديمي
الفخم، وكما يقول السفير الإيطالي بييترو كوراني "إن الدبلوماسية كرسي من
الدرجة الأولى في مسرح الحياة"، فان هذا الكتاب يوفر فهم كامل المسرح
الدبلوماسي ليغطي نقصا في المكتبة العربية والعراقية.
من الجدير
بالذكر ان مؤلفات استاذنا النعيمي التي تتجاوز الخمسين كتابا اهمها : يهود
الدونمة، اليهود والدولة العثمانية، الدور السياسي ليهود الدونمة، تركيا والوطن
العربي، النظام السياسي في تركيا وإيران، النظام
السياسي في تركيا، الوظيفة الإقليمية لتركيا في الشرق الأوسط، السياسة
الخارجية التركية بعد الحرب العالمية الثانية، تركيا وحلف شمال الأطلسي، أثر
الأقلية اليهودية في الدولة العثمانية، ظاهرة التعدد الحزبي في تركيا 1945 – 1980،
الحياة السياسية في الدولة العثمانية ، الحياة السياسية في تركيا الحديثة 1919 – 1938 ، تركيا بين الموروث الإسلامي
والاتجاه العلماني ، المؤسسة العسكرية في تركيا، العلاقات العربية الأفريقية،
تركيا والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، العلاقات العراقية التركية الواقع
والمستقبل، السياسة الخارجية
، عملية صنع القرار في السياسة الخارجية
التركية، الحركات الإسلامية الحديثة في تركيا حاضرها ومستقبلها، يهود الدونمة
دراسة اجتماعية سياسية، السياسة الخارجية الإيرانية ( 1979 – 2011 )، عملية صنع
القرار في السياسة الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية أنموذجا، العلاقات التركية
الروسية دراسة في الصراع والتعاون، السياسة الخارجية الإيرانية بين الثوابت
والمتغيرات، السياسة الخارجية التركية تجاه روسيا الاتحادية، السياسة الخارجية
التركية تجاه العراق ( 1945 – 2016) العلاقات العربية التركية ( 1945 – 2016 )، تركيا الى اين والبحث عن هوية
،وكتب اخرى.
انتهز هذه
الفرصة لاعبر عن عظيم شكري وامتناني لاستاذي النعيمي، وكما يقول جبران خليل جبران
بان ( المعلم إذا كان بالحقيقة حكيمًا فإنه لا يأمركم أن تدخلوا بيت حكمته، بل
يقودكم بالأحرى الى عتبة فكركم وحكمتكم ) وقد نهلت من مشارب علومه وحكمته وحملني
امانة هذا الاهداء الكبير الذي طرز بها صفحتين من مقدمة هذا الكتاب .
مد الله تعالى
عمر استاذنا الحبيب بالخير والبركة وادام علمه علينا.
تلميذه ياسر عبد
الحسين